خطبة جمعة بعنوان : رمضان شهر الدعاء والانتصارات ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 14 من رمضان 1438هـ الموافق 9 من يونيه 2017م
خطبة جمعة بعنوان : رمضان شهر الدعاء والانتصارات ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 14 من رمضان 1438هـ الموافق 9 من يونيه 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا.
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: منزلة الدعاء في الإسلام
العنصر الثاني: آداب الدعاء
العنصر الثالث: إياكم ودعوة المظلوم
العنصر الرابع: الدعاء سبيل الانتصارات في رمضان
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: منزلة الدعاء في الإسلام
للدعاء منزلة كبيرة في الإسلام؛ بل إن الإسلام جعل الدعاء عبادة يتعبد بها الإنسان لربه عز وجل ؛ قال تعالي :{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر:60)؛ فالله عز وجل لم يقل: إن الذين يستكبرون عن دعائي؛ وإنما قال: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}؛ وهذا يدل على أن الدعاء هو العبادة؛ ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:”الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ”؛ ثُمَّ قَرَأَ:{ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }(أحمد وابن ماجة والترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)؛ فالدعاء عبادة وقربة إلى الله ينبغي للعبد أن ينشغل بها في خلواته وجلواته.
أيها المسلمون: كثيرٌ من الناس يظن أن الدعاء أمر مقصور على النوازل والنوائب ومصائب الدهر؛ وهذا فهمٌ خاطئ وقاصرٌ ؛ وقد ذم الله قوما كان من عادتهم الدعاء والتذلل عند الشدائد والكرب؛ فإذا زالت عنهم أشركوا بالله؛ قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ؛ لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (العنكبوت: 65 ؛ 66)؛ وشواهد ذلك كثيرة في القرآن.
وكثير منا أيضاً يخطئ حينما يستبطئ الإجابة؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:” لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ” قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ:” يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ” ( مسلم) ؛ وليعلم هذا المسكين الذي استبطأ الإجابة فترك الدعاء أنه خسر ثوابا وأجرا عظيما عند الله؛ لأن الله توعده بالإجابة عاجلا أو آجلا ؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ما مِن مسلِمٍ يدعو اللَّهَ عزَّ وجلَّ بدَعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ، ولا قَطيعةُ رحِمٍ ، إلَّا أعطاهُ اللَّهُ بِها إحدى ثلاثِ خصالٍ : إمَّا أن يعجِّلَ لَهُ دعوتَهُ ، وإمَّا أن يدَّخرَها له في الآخرةِ ، وإمَّا أن يصرفَ عنهُ منَ السُّوءِ مثلَها . قالوا : إذًا نُكْثِرُ ، قالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ” [ صحيح الترغيب والترهيب – الألباني ]؛ فانظر إلى الصحابة قالوا : إذاً نكثر ؛ لأن الإجابة مضمونة في إحدى هذه الثلاث طالما التزمت بشروط الدعاء وآدابه؛ فإما أن يعجل الله لك الدعوة؛ أو يصرف عنك مصيبة أو نازلة كانت ستنزل بك رفعها الدعاء؛ أو يدخرها لك في الآخرة؛ يقول: عبدي دعوتني في يوم كذا في ساعة كذا بدعوة كذا فاذهب إلى قصر كذا في الجنة؛ وقتها يقول العبد: يارب ليتك لم تستجب لي ولا دعوة في الدنيا!!!
إن الله سبحانه وتعالى يحب سؤال العبد إياه والتذلل إليه والوقوف بين يديه؛ والله يغضب على العبد إذا ترك السؤال والدعاء؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ” ( الترمذي)؛ وهذا على عكس الإنسان؛ فالإنسان يغضب عند السؤال كما قال الشاعر:
لا تَسْأَلَنَّ بَنِي آَدَمَ حَاجَةً ****وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لا تُحْجَبُ
اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ***** وَبُنَيَّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ .
ومن فضل الله عز وجل في أمر الدعاء؛ أنك لو دعوت لأخيك في الله بظهر الغيب فإن الله يستجيب لك ويعطيك مثلها؛ فعن أُمَّ الدَّرْدَاءِ َقَالَتْ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ؛ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ »( مسلم )؛ وهذا بلا شك يزيد في المحبة والإخلاص والتواد والتراحم بين أفراد المجتمع.
عباد الله: إن شهر رمضان المبارك شهر الصيام فرصةٌ عظيمةٌ لقبول الدعاء؛ ولا سيما عند الإفطار؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ؛ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ؛ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ؛ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ”( الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ)
وعن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة”. فكان عبد الله بن عمرو إذ أفطر دعا أهله، وولده ودعا ؛ امتثالا لهذه الآية الكريمة: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186)؛ قال ابن كثير: “وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العِدّة، بل وعندَ كلّ فطر”( تفسير بن كثير )
فإذا كنا نهتم بموائد رمضان ونضع عليها أشهى المأكولات والمشروبات والحلويات ونهايتها إلى الفضلات؛ فحريٌ بنا أن نشغل رمضان بالدعوات والتلاوات والصلوات؛ فهذا ما سنجده يوم القيامة عند رب الأرض والسماوات!!
العنصر الثاني: آداب الدعاء
أيها المسلمون: للدعاء آداب كثيرة يحسن توافرها لتكون عوناً بعد الله على إجابة الداعي وقد جمعتها لكم مدعمة بالأدلة من القرآن والسنة، ومن هذه الآداب:
1 – افتتاح الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لحديث فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ ” ، قَالَ : ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ ” [رواه الترمذي وصححه الألباني].
2 – الاعتراف بالذنب والإقرار به: وفي هذا كمال العبودية لله تعالى، مثلما دعا يونس عليه السلام: {فَنَادى فِي الظُلُمَاتِ أن لآ إلَهَ إلآ أنتَ سُبحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَالٍمِينَ} [الأنبياء:87].
3 – الإلحاح في الدعاء والعزم في المسألة: فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ؛ وَلَا يَقُولَنَّ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ ” [رواه البخاري ومسلم].
4 – الوضوء واستقبال القبلة ورفع الأيدي حال الدعاء: فهذا أدعى إلى خشوعه وصدق توجهه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:” خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَدَعَا وَاسْتَسْقَى ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ “(البخاري)؛ ولحديث أبي موسى الأشعري: “لما فرغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ” [رواه البخاري ومسلم].
5 – خفض الصوت والإسرار بالدعاء: لقول الله تعالى: { ادعُوا رَبَكُم تَضَرُعاً وَخُفيَةٌ إنَهُ لاَ يُحِبُ المُعتَدِينَ} [الأعراف:55]. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ؛ إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ ” [متفق عليه].
6 – عدم تكلف السجع في الدعاء: وذلك لأن الداعي ينبغي أن يكون في حال تضرع وذلة ومسكنة، والتكلف لا يناسب ذلك، وقد أوصى ابن عباس أحد أصحابه قائلاً: ” فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ؛ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ؛ يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ” [رواه البخاري].
7 – تحري الأوقات المستحبة واغتنام الأحوال الشريفة: كأدبار الصلوات الخمس، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، والثلث الأخير من الليل، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، وحال نزول المطر، وحال السجود، وحال زحف الجيوش في سبيل الله، وعند إفطار الصّائم، وفي حال السّفر. وغير ذلك؛ ولكل ذلك دليل من السنة المشرفة وأنت بذلك خبير .
8 – تجنب الدعاء على النفس والأهل والمال: فكثير من الآباء والأمهات يدعون على أولادهم في ساعة الغضب وهذا منهيٌ عنه لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ؛ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ؛ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ” [رواه مسلم].
9- تحري الأكل الحلال: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» [رواه مسلم].
10- أن يحسن الظن بربه ويوقن بالإجابة : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ” ( الترمذي )
11- أن لا يعجل الإجابة ويستبطئها: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي” ( البخاري ومسلم)
هذه هي آداب الدعاء إجمالا؛ وحريٌ بكل مسلم أن يجتهد في الالتزام بهذه الآداب في دعائه وتضرعه إلى الله؛ فهذه الآداب إذا اجتمعت في الدعاء كان مقبولا عند الله تعالي.
العنصر الثالث: إياكم ودعوة المظلوم
عباد الله: لقد حذرنا الشارع الحكيم من الظلم وعواقبه الوخيمة؛ وفي هذه العجالة السريعة لا أريد أن أستطرد في الحديث عن الظلم ؛ وإنما أقف محذرا من دعوة المظلوم؛ لأن دعوة المظلوم مستجابة وإن كان كافراً؛ فعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا فإنه ليس دونها حجاب”( أحمد والصحيحة للألباني)؛ وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “دعوة المظلوم مستجابةٌ، وإن كان فاجرًا، ففُجُوره على نفسه” (رواه أحمد وحسنه الألباني في الصحيحة )؛ وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهنّ: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم» (الطبراني وابن ماجة وأبو داود واللفظ له)
لذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن من دعوة المظلوم؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ:” اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ” ( متفق عليه )
وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اتقوا دعوة المظلوم ؛ فإنها تحمل على الغمام يقول الله جل جلاله : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ” (الصحيحة للألباني)
أيها المسلمون: إياكم إياكم من مظالم العباد، فينبغي ويجب أن يُؤدَّي إلي كل ذي حق ٍ حقه، وإذا أدينا حق الله ولم نؤد حق الناس فلسنا بسالمين ولسنا بآمنين، فالمظالم لها مُطالبٌ يوم القيامة , قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:” لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ” ( مسلم) ، وقَالَ: “الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” ( البخاري)، ظلمات حينما تأتي تمر علي الصراط وأنت أحوج ما تكون إلي أن تستضئ الصراط وتبصره حتي تمر عليه بسلام وأمان, فظلمك يسبب لك ظلمات هنالك فتتلكب عياذاً بالله عن الصراط كما تلكب أقوام عن الصراط، فتزل قدمك عن الصراط فتسقط في الجحيم والعياذ بالله، فالظلم عاقبته وخيمة ويكفي أن تعلم أن دعوة المظلوم تطاردك, تطاردك في ممشاك، تطاردك في بيتك، تطاردك في عملك ، فتوقع أيها الظالم يوماً ما تتحقق فيك دعوة المظلوم إذا لم تؤدِ له حقه.
عباد الله: أسوق لكم هذين المثالين عن دعوة المظلومين لرجلين من العشرة المبشرين بالجنة؛ وكيف كانت نهاية الظالمين؟! فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا. فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ َلا يُحْسِنُ يُصَلِّي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي! قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا، وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَخْرِمُ عَنْهَا. أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي اْلأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي اْلأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً أَوْ رِجَالاً إِلَى الْكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ، قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا، فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ. قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ َلأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ، يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ.” ( البخاري)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ فَقَالَ : دَعُوهَا وَإِيَّاهَا فَإِنِّي ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : ” مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا ، قَالَ : فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ ، تَقُولُ : أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ ، فَوَقَعَتْ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهَا .(البخاري)
وأترك لكم التعليق؛ والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع المقام لذكرها؛ ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق!!
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا * * * فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه * * * يدعو عليك وعين الله لم تنم
إنها دعوات المظلومين، فدعوة المظلوم تلاحقك ولو بعد حين؛ دعوة المظلوم قد تصيبك في نفسك، دعوة المظلوم قد تصيبك في مالك، دعوة المظلوم قد تصيبك في ولدك، دعوة المظلوم تقلب صحتك سقمًا، دعوة المظلوم تقلب سعادتك شقاءً، دعوة المظلوم تجعلك بعد العز والغنى ذليلاً حقيرًا فقيرًا، والله على كل شيء قدير.
فالدعاء سلاح المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب، وأغلقت في وجوههم الأبواب، يقول الإمام الشافعي:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** له أمدٌ وللأمد انقضاء
العنصر الرابع: الدعاء سبيل الانتصارات في رمضان
عباد الله: إن الدعاء سبب الانتصارات في رمضان وغيره من الشهور؛ فهو سلاح المؤمن؛ وطريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، ومفزع المظلومين، وملجأ المستضعفين، به تُستجلب النعم، وبمثله تُستدفع النقم؛ ما أشد حاجة العباد إليه، وما أعظم ضرورتهم إليه، لا يستغني عنه المسلم بحال من الأحوال؛ والدعاء سبب لتفريج الهموم وزوال الغموم، وانشراح الصدور، وتيسير الأمور، وفيه يناجي العبدُ ربّه، ويعترف بعجزه وضعفه، وحاجته إلى خالقه ومولاه.
ولو طوفنا حول جميع المعارك لوجدنا أن السلاح الحقيقي والعامل الأساس في الانتصارات هو الدعاء؛ فهذه غزوة بدر الكبرى أعظم المعارك والمواجهات يترك حبيبنا صلى الله عليه وسلم الصفوف ويتوجه إلى ربه متضرعا مبتهلا داعيا سائلا واقفا على أعتابه لائذا ببابه!!!
فعن عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [ الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ؛ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ»، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ ” ( مسلم )
وحين رأى رسول الله جند قريش قال: “اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم أحنهم الغداة” ( السيرة النبوية لابن هشام )؛ فكان النصر حليف المسلمين؛ ثم كثرت الفتوحات في رمضان نتيجة الدعاء والإخلاص والتقوى الذي لازم هؤلاء الفاتحين؛ ففي رمضان من السنة الثامنة من الهجرة كان فتح مكة ؛ ففتح الله لرسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- القلوب بنزول القرآن في رمضان، وفتح له مكة التوحيد بالجهاد في رمضان، وفي هذه الغزوة انتصر الإيمان، وعلا القرآن، وفاز حزب الرحمن، ودحر الطغيان، وكسرت الأوثان، وخاب حزب الشيطان.
وفي رمضان أيضاً عام (658هـ).كانت معركة عين جالوت التي أعز الله فيها المسلمين بقيادة الملك المظفر قطز، الذي لجأ إلى الله بالدعاء والتضرع؛ يقول ابن كثير في البداية والنهاية يصف القائد قطز: “ولمَّا رأى عصائب التتار، قال للأمراء والجيوش: لا تقاتلوهم حتَّى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعو لنا الخطباء في صلاتهم”. واستجاب الله دعاءه وهزم المغول ووقعوا بين يديه ما بين قتيل وجريح وأسير، بل وقع بين يديه قائد المغول فقتله تنكيلاً به، جزاء إجرامه في قتل المسلمين.
ومما يدلّ على أنَّ النصر يُستنزل بالدعاء ما قاله أسد بن عبدالله القسري أمير خراسان في قتاله للفرس: “إنَّه بلغني أنَّ العبد أقرب ما يكون إلى الله إذا وضع جبهته لله، وإنِّي نازل وواضع جبهتي، فادعوا الله، واسجدوا لربكم، وأخلصوا له الدعاء، ففعلوا، ثمَّ رفعوا رؤوسهم، وهم لا يشكُّون في الفتح”.
وهكذا كان عقبة بن نافع في غزواته في فتح بلاد المغرب وغيرها، فقد كان مستجاب الدعوة، وكان يتوجه إلى الله بالدعاء عند الشروع في معاركه، ويصادم العدو في شجاعة مذهلة، كما ذكره عنه أهل السير، ثمَّ يكتب الله له النصر المبين.
ويقول القاضي ابن شدَّاد: “وكان صلاح الدين إذا سمع أنَّ العدو قد داهم المسلمين خرَّ إلى الأرض ساجدًا لله، داعيًا بهذا الدعاء: اللهم قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل” ويقول: “ورأيته ساجدًا ودموعه تتقاطر على شيبته ثمَّ على سجَّادته، ولا أسمع ما يقول، ولم ينقض ذلك اليوم إلاّ ويأتيه أخبار النصر على الأعداء، وكان أبدًا يقصد بوقفاته الجمع، لاسيما أوقات صلاة الجمعة تبركاً بدعاء الخطباء على المنابر، فربما كانت أقرب إلى الاستجابة”.
وليس حرب العاشر من رمضان؛ السادس من أكتوبر عام 1973م مع الكيان الصهيوني عنا ببعيد؛ فكانت كلمة الله أكبر الله أكبر مدوية تزلزل صفوف العدو؛ وتهز أرض المعركة؛ حتى كان النصر حليف المسلمين؛؛؛؛؛؛
هؤلاء القوم الشجعان عرفوا أن الله معهم وهو وحده يعز من يشاء ويذل من يشاء، وينصر من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأن الملك له وحده يهبه لمن يشاء، ويمنعه وينزعه ممن يشاء، فلجأوا إليه وحده واعتمدوا عليه وسألوه أن ينصرهم فاستجاب لهم لما رأى صدقهم وإخلاصهم، ومكّن لهم وأعزهم ونصرهم…فأين نحن من هؤلاء ؟!
لهذا كان الدعاء في الغزو مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً مع المجاهدين في أرض المعركة، وقد بوَّب الإمام الترمذي في جامعه (باب في الدعاء إذا غزا) وأورد تحته ما رواه أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ إذا غزا قال:” اللهم أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل” ( الترمذي).
إن الدعاء – عباد الله- هو سلاح المؤمنين الصادقين، وهو أقوى سلاح، فكلما كان الداعي أخلص وأتقى وأقرب لربه كلما كان مستجاب الدعوة، وكان منصورا بإذن الله تعالى.
الدعاء،،،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،،،،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي